من يصنع الحياة ؟
صناعة الحياة هي أن يكون لك دور ريادي في هذه الحياة... هي أن تكون فاعلاً في حركة الحياة وقيادة المستقبل.. هي أن تكون شيئاً نافعاً في دنيا الناس... هي أن تضيف شيئاً جديداً في الحياة، إذ منْ لم يزد شيئاً في هذه الدنيا فهو زائد عليها.. هي أن تكون رقماً صعباً لا يستهان به، وأن لا يكون حالك كحال من ذكرهم القائل حين قال:
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود
صناعة الحياة هي أن تكون قائداً فذا تقود الآخرين وتؤثر فيهم وتكون لهم إماماً في الخير، تأسياً بخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام حين وصفه الله تعالى فقال: " إن إبراهيم كان أمةً) واستجابة لدعاء المؤمنين الذين قال الله فيهم: " والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً". إن صناعة الحياة هي أن تترك بصماتك في هذا الكون، وأن تخلف لك أثراً وذكراً عطراً جميلاً ينفعك في الدنيا والآخرة، إذ لكل إنسان وجود وأثر، ووجوده لا يغني عن أثره، ولكن أثره يدل على قيمة وجوده، والسؤال الذي يبزغ هنا هو :
من الذي يمكنه قيادة الآخرين والتأثير فيهم وصناعة الحياة وإحداث طفرات نوعية في واقع الناس ؟
تُرى هل هم أصحاب الشهادات العليا؟ أم هم أصحاب المناصب والجاه والمستويات الاجتماعية الرفيعة؟ أم هم ذوو المال ورجال الأعمال ؟ أو ربما هم أصحاب الأجسام القوية والوجوه الوسيمة الجميلة ؟ أم أنهم أولئك الذين صقلتهم الأيام وحنكتهم التجارب ؟ أم قد يكونون هم الأذكياء والعباقرة الأفذاذ؟ أم غيرهم ؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال نود الإشارة إلى أنه ما من إنسان إلا ويتمنى أن يكون شيئاً مهماً في هذه الحياة، ولو أنك جئت إلى صعلوك لا قيمة له في الحياة وقلت له: يا صعلوك أو يا تافه، لسبك وشتمك. ولو ناديت جاهلاً قابعاً في ظلمات الجهل وقلت له: يا جاهل، لربما صفعك على وجهك صفعة أطارت الشرر من عينيك، ذلك لأن أمنية كل إنسان أن يكون له وزن في دنيا الناس، وأن يُعد رقماً صعباً لا صفراً لا قيمةً له.
إن الإجابة عن السؤال سالف الذكر تحتاج منا كذلك إلى تبيان وتوضيح، ويمكن أن يكون ذلك في النقاط السبعة التالية:
1. زكاة النعم
إن الله قد يهب بعض الناس نعمة أو نعماً كثيرة مثل: وجاهة، مؤهل أكاديمى، منصب، مال، ذكاء، وسامة، قوة جسدية، أو غير ذلك، وكلما زادت هذه النعم كلما كان لزاماً على الإنسان أن يؤدي حقها، وحقها بإنفاقها لا بحبسها، أي: باستخدامها لما فيه نفع الآخرين.
2. كنوز كامنة
كل نعمة من النعم سالفة الذكر قد يكون لها تأثير إيجابي في تمكين صاحبها وزيادة تأثيره في الحياة، لذا يحسن بالعاقل استثمارها وإلا فهي كنوز كامنة معطلة ينظر إليها صاحبها ولا يتذوق حلاوتها.
3. دافع ذاتي
كثير من الناس لا يمتلكون الدافعية الذاتية التي تمكنهم من تفجير طاقاتهم وتسخير إمكاناتهم لتحقيق واقع مشرف لهم ولأمتهم وفي هذا يقول شوقي:
شبابٌ قنعٌ لا خير فيهم وبورك في الشباب الطامحينا
4. النجاح الحقيقي
إن النجاح الحقيقي الذي يحق لصاحبه الافتخار به هو ذلك النجاح الذي صنعه هو ببذله وجهده وطول عنائه، أما الذي يفخر بأمجاد آبائه وأجداده التي ولت وهو لا يصنع شيئاً ولا يستكمل هذه الأمجاد أو يضيف إليها ما يحفظها ويرفعها، فهذا مسكين يستحق الرثاء والشفقة.
5. VIP
إن من عدالة الله عز وجل في خلقه أنه لم يجعل الغلبة والقيادة والتأثير وصناعة الحياة حكراً على فئة (VIP) وإنما رفع أناساً لم يكن لهم شأن، وأعز أقواماً لم يكونوا سادة القوم، وقدم نفراً ممن كان في المؤخرة، وأخرج من بين الضعفاء أئمة وقادة، كما قال تعالى: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين". (القصص: الآية 5).
6. عقدة النقص
إن أسوأ ما يُبتلى به المرء أن يصاب بعقدة النقص، فيشعر أنه غير مؤهل للتأثير وصناعة الحياة، وأنه ناقص، ولا يمكن له استكمال نقصه وسد ثغراته، فيشعر بالدون ويتبادر إلى ذهنه دائماً أن غيره أكمل منه وأقدر على قيادة الحياة، ولذا تراه منطوياً على نفسه، منكسراً في ذاته، مكبلاً بأوهامه، عاجزاً عن فعل أي شيء حتى لو كان بإمكانه فعله.
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
يقول كنونفوشيوس: إن ما يثير قلقي هو أن لا أتحسن في مجالات تفوقي، وأن لا أستفيد من كل ما درسته، وأن أعرف ما هو الشيء الملائم والصحيح ولا أستطيع أن أتغير لأحققه، وأن أكون غير قادر على معالجة مواطن إخفاقي وعجزي.
7. الصدر أو القبر
إن صناعة التأثير إنما تنبع من ذات الإنسان مهما كانت مؤهلاته الأكاديمية أو قدراته العقلية أو منصبه الوظيفي أو مستواه الاجتماعي أو خبرته الحياتية أو جنسه أو كبر سنه أو إمكاناته المادية أو غير ذلك.
تأخرت أستبق الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
وأخيراً نقول:
إن كل إنسان يستطيع- بعد توفيق الله تعالى- أن يصنع الحياة لو قرر واجتهد لتحقيق ذلك.
كاتب المقال: د. علي الحمادي
منقول لتعم لفائدة